” المصالحة” مذكرات الملك الإسباني السابق تثير شهية الصحافة الدولية

  • بتاريخ : ديسمبر 4, 2025 - 4:55 ص
  • الزيارات : 21
  • يشكّل صدور كتاب “مصالحة” للملك الإسباني السابق، خوان كارلوس الأول، حدثاً يتجاوز حدود الأدب والسيرة الذاتية، ليصبح ظاهرة ثقافية وسياسية، تُعيد فتح نقاش واسع حول الذاكرة، والشرعية، والمصالحة في إسبانيا الحديثة. فالمذكرات، التي صدرت هذا الأسبوع في فرنسا، قبل طرح نسختها الإسبانية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، لا يمكن أن تُقرأ في إطار السرد الشخصي لرجل عاش على قمة السلطة أربعة عقود فحسب. هي، في نظر مراقبين، محاولة لإعادة كتابة التاريخ الإسباني من الداخل، بصوت منفي ملكي يراجع ذاته بعد سنوات من الصمت.

    منذ مغادرته البلاد إلى أبوظبي عام 2020، ظلّ خوان كارلوس خارج المشهد العام، في عزلة فرضتها عليه الفضائح المالية والعاطفية التي هزّت العرش الإسباني. غير أن ظهوره الآن عبر مذكراته، وبعنوان دالّ هو “مصالحة”، يُقرأ بوصفه فعلاً سياسياً بامتياز، يحمل رسالة مزدوجة: رسالة استعادة للكرامة الشخصية، ورسالة انفتاح على المجتمع الإسباني، في لحظة تعيد فيها البلاد تقييم علاقتها بمؤسساتها الملكية. الكاتبة الفرنسية، لورانس ديبراي، التي تعاونت معه في إعداد النص، تصف الكتاب بأنه “رحلة في الذاكرة والضمير”. وتؤكد أن الملك “لم يتجنب أي موضوع، بل واجه أخطاءه بوضوح، محاولاً تفسيرها في سياق حياة كاملة من الحكم والخدمة العامة”.

    الكتاب ومؤلفته التي تصف فيه الملك ببطلي، وبأنه لم يرتكب جريمة جنائية، من قتل أو سرقة أو اغتصاب

    في الكتاب يمتزج كل شيء: الثقافة والسياسة، الشخصي والجمعي، التاريخ والحاضر، الديكتاتورية والتحول الديمقراطي، الهدايا والندم. من جهة هو شهادة رجل دولة شارك في قيادة التحوّل الديمقراطي بعد حقبة فرانكو، ومن جهة أخرى صوت إنساني يراجع أخطاءه في المال والعاطفة والسلطة و”الهفوات الكثيرة”. يعترف الملك في نصه بقبول منحة مالية قدرها مائة مليون دولار من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويصفها بأنها “غلطة فادحة”، كما يتناول علاقته المثيرة للجدل بسيدة الأعمال الألمانية كورينا لارسن، التي كانت الشرارة التي أدت إلى انهيار صورته عام 2012، حين سقط في بوتسوانا، في أثناء رحلة صيد للأفيال. لكن في عمق هذه الاعترافات، يقدّم الكتاب صورة معقدة للمؤسسة الملكية، حيث يتحوّل التاج إلى عبء ثقيل، يتقاطع فيه العزف على وتر السلطة مع نغمة الوحدة والحنين. ربما لهذا السبب تحديداً، لم يكن اختيار العنوان اعتباطياً. فالكلمة تستحضر أحد أعمدة الهوية الإسبانية الحديثة: المصالحة الوطنية التي قادها خوان كارلوس نفسه بعد نهاية الديكتاتورية عام 1975. لكنها في السياق الحالي تكتسب معنى جديداً: مصالحة الملك مع شعبه، ومع التاريخ الذي حكمه ثم حكم عليه.

    وفي بلد مثل إسبانيا، حيث لا تزال الملكية محور نقاش ديمقراطي ساخن بين مؤيدين يرونها رمزاً للاستقرار ومعارضين يعتبرونها بقايا من الماضي، يتحول الكتاب إلى وثيقة ثقافية أكثر من كونه نصاً تبريرياً؛ فهو يرسم حدوداً جديدة بين الذاكرة الشخصية والذاكرة الوطنية، وبين الملك الإنسان والملك الرمز.